التفكر في الكون وأثره في ترسيخ الإيمان
آيات الأنفس والآفاق
الإشكالية
كيف نعمل على إحياء عبادة التفكر ؟
كيف نجعل من التفكر في الكون وسيلة لترسيخ الإيمان ؟
الفرضيات
التفكر في الكون سبيل لمعرفة عظمة الخالق عز وجل
ضرورة خضوع التفكر المؤدي للإيمان لضوابط وشروط شرعية
النصوص
النص الأول قوله تعالى
(52)سَنُرِيهِمْ ءاياتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَم يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(53)أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ(54)}.
النص الثاني قوله تعالى
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ(190)الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191) } سورة آل عمران
وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لما نزلت هذه الآية على النبي قام يصلى، فأتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فرآه يبكي فقال: يا رسول الله، أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! فقال: "يا بلال، أفلا أكون عبدا شكورا ولقد أنزل الله على الليلة آية {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب{ - ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيه" أحرجه الإمام ابن حبان في صحيحه
مضامين النصوص
النص الأول دعوة الله لعباده للتفكر في عالم الشهادة : الأنفس والآفاق التي يسرها لهم حتى يدركوا حقيقة عظمة الخالق فيوحدوه، وصدق رسالة نبيه عليه السلام فيتبعوه ويعمدوا لعمارة الأرض من خلال ترسيخ الإيمان وتطوير المعرفة.
النص الثاني حذر عليه السلام من المرور على هذه الآيات دون التفكر فيها ،فيحرم فوائد التفكر ويزداد بعدا عن الله .
مفهوم التفكر ومجالاته
مفهوم التفكر هو إعمال النظر في معاني الأشياء بهدف معرفة الحقيقة ،به يهتدي العبد
مجال الأنفس لمعرفة خالقه حق المعرفة بالآيات والسنن الكونية التي أودعها الخالق في نفس مخلوقه وفيما يحيط به ، قال تعالى { وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ(21)} سورة الذاريات
مجال الأنفس واسع جدا، يتصل بالإنسان بما خلق الله فيه من أعضاء وأجهزة تدل على عظمة الخاق عز وجل. فلو تأملنا البصمات مثلا لوجدنا أن الإنسان يحمل قي ذاته بصمات متعددة تحدد هويته وتميزه عن غيره من بني البشر جميعا ولو من أقرب الناس إليه وإن كان توأمه، علما أن البصمات متعددة منها بصمات اليد وبصمة الأذن والعين وبصمة الصوت وغيرها، وعند التفكر في هذه البصمات لا يسع الإنسان إلا أن يقر أن منشئ البصمات هو منشئ الأنفس وأسرارها وهو الخالق تعالى البارئ المصور .
مجال الآفاق في الإصطلاح هي كل ما يحيط بالإنسان أو يدركه في الأرض أو في الفضاء من مخلوقات عديدة تستدعي التفكر والتأمل في حكمة خلقها. فالآرض وما فيها من كائنات والفضاء وما فيه من أجرام وكواكب و نجوم دالة على صنع الله الذي أتقن كل شئ ، ومن ذلك .
الخلق الجبال التي تبرز من فوق الأرض ولها امتدادات تحت السطح ،هذه الإمتدادات هي بمثابة أوتاد تضمن ثبات الأرض واستقرارها قال تعالى {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا(6)} سورة النبأ
الأحداث الكونية كالزلازل والأعاصير والخسوف والكسوف ونحو ذلك التي تمر دون أن يتأمل الإنسان دلالاتها ، ويأخذ العبرة منها . قال عليه السلام :
" إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموها فأفزعوا إلى الصلاة " أخرجه مسلم
الأحداث التاريخية منها ما تعلق بآثار الحضارات القديمة ومآلات الأمم السابقة الذي يدل على أن الإنسان لم يخلق عبثا في هذه الحياة قال تعالى { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ(115) } سورة المومنون
فهذا النوع من التفكر يقود الإنسان العاقل المتدبر إلى استخلاص الدروس والعبر.
فوائد التفكر في الكون
كل تفكر له فوائد كثيرة ،منها ما يرسخ الإيمان ويقرب إلى الله تعالى ، ومنها ما ينفع الإنسان في حياته وفي تطور علومه ومعارفه.
فوائد في ترسيخ الإيمان
حصول معرفة بعض ما أودعه الله في هذا الكون من الآيات العظيمة ، فيزداد إيمان المتفكر ويجتهد في مرضاة الله، فيكثر من الأعمال الصالحة.
التواضع أمام عظمة الله والتأكد من أن الإنسان مخلوق مكرم فضل على كثير من المخلوقات، وأشرف ما فضل به نعمة العقل الذي ينبغي أن تؤدي وظيفتها في مجال التفكير.
تجاوز التفسير المادي للظواهر الكونية ، ومحاولة معرفة الحقيقة الكامنة في خلق الكون المرتبط بخلق الإنسان، وما الغاية من هذا الخلق؟ وما هو مصيره ؟ وماذا بعد الموت ؟ ولم خلق؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي يدفع التأكد من جوابها إلى الإيمان بالله تعالى عن طرق التفكر.
نيل رضوان الله تعالى ومحبته إذ أن التفكر في دقة نظام الكون وإحكامه يقود إلى التيقن من أن هذا الخلق يحتاج إلى خالق واحد لا شريك له.
فالتفكر إذن من أشرف العبادات لأنه متعلق بأعمال العقل والقلب، وبالرجوع إلى نصوص الآيات القرآنية نجد أن الله تعالى مدح المؤمنين أولي الألباب وفي المقابل ذم معطلي العقل والفكر الذي يتجلى في التقليد الأعمى والبعد عن الحق وسوء العاقبة.
فوائد التفكر في تطوير العلم والمعرفة
إن الإنسان مستخلف في هذا الكون لعمارة الأرض من أجل إسعاد الإنسان بحصول المنفعة للناس في جميع مجالات الحياة قال تعالى {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ(61) }سورة هود
إن استثمار السنن الكونية وتوظيفها هو نتيجة التأمل والتدبر في الكون والأمثلة على ذلك كثيرة لفضل ما جناه الإنسان من ثمار التفكر واستعمال عقله منها :
المجال الصحي الأبحاث الطبية الحديثة قدمت خدمة كبيرة للإنسان للقضاء على كثير من الأوبئة ومعالجة الأمراض التي كان الطب التقليدي يعجز عن معالجتها.
مجال التواصل حقق التواصل في العصر الحديث طفرة نوعية كبرى ،فالمسافات الطوال التي كان يقطعها الإنسان القديم في سفره تستغرق شهور وسنوات، يستطيع أن يقطعها اليوم في دقائق أو ساعات ، إضافة إلى ما تقدمه وسائل الإتصال الحديثة من إمكانات التواصل الصوتي المرئية المباشرة مما جعل العالم قرية صغيرة.